التهيئة العمرانية فيالجزائر
تتربع الجزائر علىمساحة تقارب 2381741كم2وتتميز بعدم التجانس في وحداتها التضاريسية من الشمال إلىالجنوب، وتتمثل هده التضاريس في: السهول الساحلية، سلسلة الأطلس التلي، الهضابالعليا، سلسلة الأطلس الصحراوي، الصحراء الكبرى.هدا التنوع في التضاريس أعطى اختلاففي المناخ وبالتالي تباين في المؤهلات الطبيعية بين شمال البلاد وجنوبها.وقدمرتنظيم هدا المجال الجزائري ومند القدم بعدة مراحل تبعا لفترات الحكم التي تعاقبتعليه، بداية بفترة الحكم العثماني والتي تميزت بتنظيم متميز يقوم على نظام البيلك،حيث قسم المجال الجزائري إلى ثلاث مناطق رئيسية وهي: بيلك الشرق، بيلك التيطري،بيلك الغرب، وقد اعتمد هدا التقسيم كمحاولة للتحكم الجيد في طرق تهيئة المجال منجهة واستغلال كل الأراضي من جهة ثانية.وتلت هده الفترة فترة الاستعمار الفرنسيللجزائر التي كانت بدايته في سنة 1830/م ويمكن تقسيم مراحل تنظيم المجال إبانالاستعمار إلى ثلاث مراحل رئيسية وهي:
* مرحلة استكمال الغزوالفرنسي للجزائر(1830/1910(
تميزت هده المرحلة باستكمال الغزو وتوسيععملية الاستيطان الأوروبي على حساب أراضي العروش والقبائل المتواجدة في السهولالساحلية الخصبة والأحواض الداخلية، وإقامة المستوطنات والأحياء الأوروبية بالقربمن المدن الجزائرية العتيقة، وتدعيمها بالهياكل الأساسية من طرق برية وسكك حديدية،أنجزت بأيادي جزائرية استقطبت كلها من الأرياف، تبدأ هده الشبكة عند مصادر الموادالأولية من معادن وثروات طبيعية أخرى وتنتهي عند الموانئ من اجل ربط الجزائر بفرنسافي مجال الاستيراد والتصدير(المواد الخام مقابل المنتجات الفرنسية المصنعة). وبالمقابل ضلت الأغلبية الساحقة من الجزائريين تعيش في الأرياف ظروف مزرية جراءالأوضاع المتدهورة في جميع المجالات، الأمر الذي دفع بالأغلبية منهم إلى النزوح نحوالمراكز الحضرية والإقامة على حواف هده المراكز في بيوت قصديرية والعمل عندالمعمرين في الأشغال الشاقة خاصة في ميدان الأشغال التي تخص انجاز الطرقات وحفرالأنفاق.....
*مرحلة الاضطرابات وكثرة الحروب والأزماتالاقتصادية(1910/1954(
قد كان تأثير هده الاضطراباتالاقتصادية والحروب كبيرا على الجزائر وتسببت في انتشار الفقر والمجاعات بين السكانالجزائريين، من جراء تناقص الإنتاج الزراعي الفرنسي و تعويضه بالمنتوج الزراعيالجزائري، خاصة في ميدان الحبوب وقد استمرت هده المرحلة إلى مابعد الحرب العالميةالثانية مما دفع بسكان الأرياف إلى نزوح ريفي شديد باتجاه المراكز الحضرية بحثا عنالشغل وظروف معيشية اقل ضراوة، مما اثر كثيرا على التوازنات الجهوية من جهة وصعوبةالحياة في المراكز الحضرية من جهة ثانية.
* مرحلة اندلاع الثورة والسنوات الأولى من الاستقلال (1954/1966(
وعرفت هده المرحلة بنزوح ريفي شديد جراء اللاامن وسياسة التشريدالتي مارسها الاستعمار الفرنسي علي سكان الأرياف من طرد وتقتيل جماعي وإقامةالمحتشدات لعزل السكان عن الثورة من جهة وحراستهم ومراقبتهم من جهة ثانية، واستمرالنزوح الريفي نحو المدن والمراكز الحضرية في السنوات الأولى بعد الاستقلال بسببتواجد حضيرة سكنية شاغرة بعد مغادرة الاستعمار الفرنسي وتركز معظم التجهيزات بهدهالمناطق من البلاد.
مرحلة الاستقلال
المرحلةالأولى (1962/1979(
سياسة توازنات جهوية أكثر منهاسياسة تهيئة عمرانية
ورثت الجزائر بعد الاستقلال أوضاعا مزرية عن المستعمر الفرنسي: تميزت بعدم التجانس في توزيع الهياكل القاعدية وكدا المنشآت الاقتصادية والمراكزالحضرية، حيث ركز المستعمر كل جهوده على المنطقة الشمالية للبلاد خاصة المناطقالساحلية ذات المؤهلات الطبيعية الكبيرة مما جعل هده المناطق بعد الاستقلال مستقطبةللسكان لتوفر التجهيزات وتوطن كل الخدمات الاقتصادية والاجتماعية بها، هذه الوضعيةزادت في حدة الفوارق الجهوية بين أرجاء البلاد وبروز هوة كبيرة بين المدن والأريافمن جهة وبين المناطق الداخلية للبلاد والمناطق الساحلية من جهة ثانية، وأمام هدهالوضعية الحرجة التي ميزت المجال الجزائري أنداك باشرت الدولة عدة إصلاحات وتدخلاتمن اجل التقليل من حدة اللاتوازن في الانتشار عبر التراب الوطني، تتمثل هدهالإصلاحات في البرامج التنموية الخاصة بالمناطق المحرومة، حيث استفادت ثمان ولاياتمن برامج تنموية واسعة في الفترة الممتدة بين( 1966- 1973 )كما عمدت الدولة إلىتوظيف عائدات البترول في بناء الاقتصاد الوطني بوضع المخطط الثلاثي (1967-1969) والذي وجهت من خلاله الدولة الاهتمام بقطاع الإنتاج وهدا بإقامة العديد منالأقطابالصناعيةالكبرى،الأول على محور عنابة،قسنطينة،سكيكدة والثاني على محورالعاصمة،رويبة،زغاية والثالث على محور آرزيو،وهران،مستغانم ويهدف إنشاء هده الأقطابالصناعية إلى تحديث مناطق الشرق والوسط والغرب الجزائري والقضاء على البطالة وخلقنوع من التوازن بين جهات الوطن .لكن هده الإصلاحات تركزت على المناطق الساحليةوالتلية وبالتالي دعمت وبصورة غير مباشرة التوجه العمراني والاقتصادي الموروث عنالفترة الاستعمارية و زادت في حدة الفوارق بين المناطق الشمالية والجنوبية للبلادوعمقت الفجوة. وهدا مايدل على غياب إستراتيجية واضحة المعالم للتهيئة العمرانية فيالجزائر أنداك. وان كل هده الإجراءات المتخذة كانت تتسم بغياب خطة متكاملة للتهيئةالعمرانية ، ومن سلبيات هده الإجراءات كذلك أنها مست المدن الكبرى فقط واستهلكتأراضي زراعية خصبة لتوقيع الأقطاب الصناعية مثل سهول متيجة،عنابة،وهران...، وقدفشلت هده الأقطاب في لعب الدور المنوط بها، فعوض أن تحقق التنمية في محيطها تحولتإلى مناطق استقطاب وجدب للسكان خاصة النازحين من المناطق الداخلية، وزيادة تضخمالمدن وانتشار البيوت القصديرية على حواف المدن والتي تحولت فيما بعد إلى بؤر للفقروالحرمان والتهميش ،وهذا مايدل على عدم الاخد بعين الاعتبار الاختلالات الموروثة منالمستعمر بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية من جهة والمناطق الشمالية والداخليةمن جهة ثانية، زيادة على عدم الاطلاع على حقيقة كل الأقاليم الجزائرية قبل مباشرةهده الإصلاحات.وفي بداية السبعينيات زاد وعي الدولة بخطورة الوضع الذي ميز المجالالجزائري نتيجة الفوارق الجهوية التي أفرزتها الأوضاع المزرية لنتائج اللااستقرارجراء النزوح الريفي كنتيجة للفقر والتهميش الذي شهدته الأرياف الجزائرية أنداك وكداالتمركز الكبير حول المدن الكبرى، فبادرت الدولة بسياسة جديدة تهدف للتثبيت سكانالأرياف وتخفيف الضغط على المدن وزيادةالإنتاج الفلاحي فكانت تحت عنوانالثورةالزراعيةوهدا في سنة1971/ممع برمجة أكثر من 1000 قرية اشتراكية([عزيزي الزائر يتوجبعليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]) بهدف تحسين مستوى التجهيزات فيالأرياف وتثبيت السكان. لكن هده السياسة لم تحقق الأهداف المنوطة بها لسببين: أولهاهو ترك النشاط الفلاحي وتنقل الفلاحين المؤممين نحو المراكز الحضرية لضمان الشغل فيالوحدات الصناعية وبالتالي أجور تابثة وضمان الاستفادة من الخدمات الاجتماعيةكتمدرس الأطفال والرعاية الصحية... والسبب الثاني هو تحول الوظيفة الأساسية للقرىالاشتراكية حيث تحولت فيما بعد إلى أنوية لمدن مصغرة تحتوي على كل المزايا الحضرية،حيث بلغ عدد القرى المنجزة 750 قرية(1) وقعت اغلبها على الأراضي الفلاحيةالجيدة.
كما ميز هده المرحلة أيضا التخطيط المركزي ودلك بوضعالمخططينالرباعيين(1970-1973) و (1974-1977)والدي خصص لهما أكثر من 50℅ من الاعتماداتالمالية(2) أنداك وكانا يهدفان إلى مواصلة تنفيذ المشاريع الصناعية الكبرى والبرامجالخاصة كما خصصت عمليات أخرى على المستوى المحلي:المخططات الولائية والمخططاتالبلدية للتنمية والدي كان في سنة 1974، ومخططات التجديد العمراني.. وقد حققا هدينالمخططين الرباعيين بعض النتائج الايجابية نذكر منها على وجه الخصوص توفير مناصبالشغل في المناطق المستفيدة من المناطق الصناعية وكدا في إطار الثورة الزراعية التيمست المناطق الريفية. إلا أن كل هده الأعمال كانت محدودة في الزمان ولم تأثر كثيرافي الخريطة الإقليمية للبلاد وزادت الفوارق الجهوية حدة خاصة بين المناطق الساحليةوالمناطق الأخرى مع تبديد للأراضي الفلاحية الخصبة للبلاد. ويمكن القول أن هدهالمرحلة ميزتها سياسة توازن جهوي أكثر منها سياسة تهيئة عمرانية.
المرحلة الثانية (1979/1990(
ظهورسياسة عمرانية ذات صلاحيات لكن بدون سلطة وبدون وسائل
في الثمانينيات زاد الوعي بالمخاطر التي أفرزتها الاختلالاتالموجودة بين أرجاء البلاد، فظهرت التهيئة العمرانية للمرة الأولى ضمن صلاحياتدائرة وزارية، وهدا بإحداث وزارةالتخطيط والتهيئة العمرانية في سنة 1979 قصد تأطيرووضعسياسات للتهيئةمن شانها التغيير من الأوضاع المجالية السائدة أنداك وقد تزامنهدا مع وضع المخطط الخماسي الأول (1980/1985) الدي كان يهدف إلى تنمية المناطقالداخلية للبلاد وكدا إعادة هيكلة القطاع الصناعي، وفي سنة1981/متأسست الوكالةالوطنية للتهيئة العمرانية (ANAT)، والتي كلفت على وجه الخصوص بإعداد المخطط الوطنيللتهيئة العمرانية (SNAT ).والذي تندرج تحته مخططات جهوية للتهيئة العمرانية (SRAT) كما صدرا في نفس السنة قانونان يتضمنان تعديلات وتتميمات لقانوني الولاية والبلديةينصان على صلاحيات الجماعات المحلية ويزودانها بأدوات خاصة للتهيئة ويتمثلانفي:المخطط الولائي للتهيئة PAW، والمخطط البلدي للتهيئة PAC، وهدا من اجل تخطيطالنمو على مستوى كل الوحدات الإدارية وتحكم أكثر في عمليات التهيئة على المستوىالمحلي (البلدية، الولاية)وبالإضافة إلى استحداث هده الأدوات استحدث تقسيم إداريجديد سنة1984/محيث ارتفع عدد الولايات من 26ولاية سنة1974/مإلي 48 ولاية فيسنة1984/موبالتالي أصبحت الولايات الجزائرية تمثل كيانات عمرانية ووظيفة منسجمةومتقاربة من حيث الإمكانات والموارد وقد روعي في هدا التقسيم تقليص مساحات كبرياتالمدن الجزائرية حتى لاتؤثربهيمنتها على نمو الولايات الجديدة، وقد كان لهداالتقسيم الجديد عدة ايجابيات خاصة في المناطق الداخلية للبلاد، حيث أدى ظهور عواصمإدارية جديدة للولايات المستحدثة للمناطق المذكورة والتي كانت تعاني التهميش وإلىخلق تكافؤ من حيث شبكة العمران والاستيطان البشري، وعمل على تحقيق التوازن فيالعلاقات بين الأقاليم بفضل استفادتها من إجراءات هامة في الميدان الاقتصاديوالاستثمارات في البنية التحتية لجعلها مراكز للخدمة المحلية أو الإقليمية. وبدلكتعد الخريطة الإدارية أداة رسمية لنشر التنمية وتحقيق التوازن بين أقاليم البلادوالنهوض بالإمكانيات المحلية والحد من ظاهرة النزوح والتركز على الشريط الساحليوتوجيه التنمية نحو المناطق الداخلية للبلاد (السهول العليا والصحراء).وتزودت أيضاالتهيئة العمرانية في 12جانفي 1987/م بقانون التهيئة و التعمير رقم 03/87المتعلقبالتهيئة العمرانية(1) الذي يوضح أدواتها على المستويين الوطني والجهوي وهدابالمخطط الوطني للتهيئة العمرانية ( (SNAT والمخططات الجهوية التهيئة العمرانية (SRAT) والدي تندرج تحتهم 48 مخطط ولائي للتهيئة ( PAW) والمخططات البلدية للتهيئة (PAC) ويحدد ويحدد هدا القانون تناسقها، دون أن يتبع بالنصوص الأساسية التطبيقية،وهكذا لم يتم تحديد إطار الإعداد وكيفيات اعتماد المخطط الوطني للتهيئة العمرانيةوالمخططات الجهوية ولا الأدوات القانونية المحلية الخاصة، طبقا لما ينص عليةالقانون ولدلك كان تطبيق هده السياسة محدود جدا لعدة أسباب أهمها:- إتباع الدولةلمنهج التخطيط والتي كانت تعطي الأولوية فيه للنظرة القطاعية دون أن تولي الاهتمامبالتنسيق إزاء التوجهات المحلية- عمليات التخطيط المثقلة بالقرارات المركزية وضعتضرورات التهيئة العمرانية في الدرجة الثانيةبالإضافة الى تهميش الخصوصيات المحليةلكل مجال نتيجة غياب المناقشة العامة والتشاور، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصاديةالتي اجتاحت الجزائر سنة 1986/م نتيجة انخفاض سعر البترول والتي كان لها تأثير كبيرعلى كل السياسات التي انتهجتها الدولة ومن بينها سياسة التهيئة العمرانية. وكانتأحدات أكتوبر1988/مدليل أخر على تفكك الأقاليم وكشفت وضعية الضواحي التي أصبحتفريسة للتهميش والفقر انعدام الأمن.ويمكن القول أن هده المرحلة هي مرحلة ظهور سياسةعمرانية ذات صلاحيات لكن بدون سلطة وبدون وسائل
المرحلة الثالثة (1990/2000(
غياب سياسةعمرانية واضحة المعالم في ظل الأزمة التي اجتاحت البلاد
وكانت هذه المرحلة بمثابة مرحلة انتقالية حيث دخلت الجزائرالنظام الليبرالي والاقتصاد الحر وبالتالي التخلي عن النمط المركزي في التخطيط وهيمرحلة حرجة في تاريخ الجزائر حيث اجتاحت البلاد ازمة سياسية حادة كانت لها أثاروخيمة على الجانب الاقتصادي والاجتماعي وحجبت كل عمليات التهيئة وأصبحقانون1987/ملا يمثل المرجعية التخطيطية للمجال وسجلت الجزائر في هده المرحلة أيضاالرجوع الى ظاهرة التعمير الفوضوي وزيادة التمركز في المناطق الساحلية وزيادةالتهميش والفقر في المناطق الداخلية للبلاد هدا ما أدى الى نزوح ريفي شديد وتفريغبعض المناطق من السكان نتيجة غياب الأمن خاصة في المناطق الريفية. كما عرفت هدهالفترة احتجاب الحقيبة الوزارية للتهيئة العمرانية حتى سنة1994/مأين أنشأت وزارةالتجهيز والتهيئة العمرانية.وفي سنة1995/منظمت استشارة وطنية واسعة حولالإستراتيجية الجديدة للتهيئة العمرانية في الجزائر شارك فيها الى جانب السلطاتالعمومية، الوزارات المعنية، الجماعات المحلية، الجامعات وخبراء وجمعيات مدنيةلإثراء وثيقة صممتها الوزارة المختصة تحت عنوان "الجزائر غدا" تضمنت حصيلة للوضعيةالراهنة للتراب الوطني والاختلالات التي يعانيها وبعض المقترحات للتطوير، وقد كللتهذه العملية بوضع مشروع وطني لإستراتيجية جديدة.